خلق آدم عليهالسلام: أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكة بأنهسيخلق بشرا خليفة في الأرض - وخليفة هنا تعني على رأس ذرية يخلف بعضها بعضا.أخبرهم على سبيل التمويه، فقالت الملائكة سائلين استكشافا واستعلاما عن الحكمة منخلق آدم، لا اعتراضا على خلقه: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُالدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كانلديهم تجارب سابقة في الأرض , أو إلهام وبصيرة , يكشف لهم عن شيء من فطرة هذاالمخلوق , ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفك الدماء . . ثم هم -بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق - يرون التسبيح بحمد اللهوالتقديس له , هو وحده الغاية للوجود . . وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد اللهويقدسون له,ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !
هذه الحيرة والدهشة التي ثارت فينفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائز على الملائكة، ولا ينقص منأقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم من الله، وعبادتهم له، وتكريمه لهم، لا يزيدون علىكونهم عبيدا لله، لا يشتركون معه في علمه، ولا يعرفون حكمته الخافية، ولا يعلمونالغيب . لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى , في بناء هذه الأرض وعمارتها , وفي تنميةالحياة , وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها , على يد خليفةالله في أرضه . هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماء أحيانا . عندئذ جاءهمالقرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائر الأمور: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَتَعْلَمُونَ).
وما ندري نحن كيف قال الله أو كيفيقول للملائكة. وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ، فلا نعلم عنهم سوى مابلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لاطائل وراء الخوض فيه . إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .
أدركت الملائكة أن الله سيجعل فيالأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنه سيخلق بشرامن طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحه فيجب على الملائكة أن تسجد له، والمفهوم أنهذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده.
جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من ترابالأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر - ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة -ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفن الطين وانبعثت لهرائحة.. وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟
سجود الملائكةلآدم: من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم.. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيهالحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له .. ما عدا إبليس الذي كانيقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس من الملائكة ؟الظاهر أنه لا . لأنه لو كان من الملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصون الله ماأمرهم ويفعلون ما يؤمرون . . وسيجيء أنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكة خلق مننور . . ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود .
أما كيف كان السجود ؟ وأين ؟ ومتى ؟كل ذلك في علم الغيب عند الله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً..
فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) . وبدلا من التوبة والأوبة إلى اللهتبارك وتعالى، ردّ إبليس بمنطق يملأه الكبر والحسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُخَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ). هنا صدر الأمر الإلهي العاليبطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه (مِنْهَا)فهل هي الجنة ؟ أم هي السماء ؟ أم هي المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته؟ أم هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز لكن الأرجح رحمة الله تعالى، أو المنزلة التيكان فيها فخسرها بسبب كبره ومخالفته لربه، فلم يكن إبليس في الجنة، وحتى آدم عليهالسلام لم يكن في الجنة على الأرجح . ولا محل للجدل الكثير . فإنما هو الطردواللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ(84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)(ص)
هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميمعلى الانتقام في نفس إبليس: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). واقتضت مشيئة الله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب , وأن يمنحهالفرصة التي أراد. فكشف الشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ويستدرك فيقول: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُالْمُخْلَصِينَ) فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين .
وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنهيقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين . لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لاتطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبينالناجين من غوايته وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهملله . هذا هو طوق النجاة . وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره فيالردى والنجاة . فأعلن - سبحانه - إرادته . وحدد المنهج والطريق: (لَأَمْلَأَنَّجَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) .
فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم, يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين .وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهمجاهلين ولا غافلين . فأرسل إليهم المنذرين .
تعليم آدمالأسماء: ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهيالعظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة: (وَعَلَّمَآدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرةعلى تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلكالأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض .ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى , لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمزبالأسماء للمسميات , والمشقة في التفاهم والتعامل , حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهممع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . . الشأنشأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل .فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلاسبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لاتتصور معها حياة ! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائنالقدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذهالخاصية , لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم اللهآدم هذا السر , وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموزاللفظية للأشياء والشخوص . . وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم , والاعترافبعجزهم , والإقرار بحدود علمهم , وهو ما علمهم . . ثم قام آدم بإخبارهم بأسماءالأشياء . ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم: (قَالَأَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُمَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) .
أراد الله تعالى أن يقول للملائكةإنه عَـلِـمَ ما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه منالحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدركالملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلموالمعرفة.. كما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها..بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام..وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها.. ويدخل في هذاالنطاق كل العلوم المادية على الأرض.
إن نجاح الإنسان في معرفة هذينالأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكمل للآخر.
سكن آدم وحواء فيالجنة: اختلف المفسرون في كيفية خلق حواء.ولا نعلم إن كان الله قد خلق حواء في نفس وقت خلق آدم أم بعده لكننا نعلم أن اللهسبحانه وتعالى أسكنهما معا في الجنة. لا نعرف مكان هذه الجنة. فقد سكت القرآن عنمكانها واختلف المفسرون فيها على أربعة وجوه. قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأنمكانها السماء. ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليسولما جاز فيها وقوع عصيان. وقال آخرون: إنها جنة خلقها الله لآدم وحواء. وقالأكثرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق إلى التسليم فيأمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي نستخلصها من مكانها لاتساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.
كان الله قد سمح لآدم وحواء بأنيقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمرربهما بالابتعاد عن الشجرة. غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمهضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي..وراح يثير في نفسه ويوسوس إليه: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍلَّا يَبْلَى) . وأقسم إبليس لآدم أنه صادق في نصحه لهم، ولم يكن آدم عليه السلامبفطرته السليمة يظن أن هنالك من يقسم بالله كذبا، فضعف عزمه ونسي وأكل من الشجرةهو وحواء.
تذكر الإسرائليات أن حواء أكلت منالشجرة قبل آدم، وأنها هي التي شجعته على الأكل منها. ويستدل البعض بحديث أبيهريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لولا بنو إسرائيل لم يخنزاللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها). إلا أن هذا الحديث لا يذكر صراحة بأن حواءهي من حث آدم على الأكل من الشجرة. بل إن نص القرآن لا يذكر حواء وحدها وإنما تحدثتالآيات عن الحادثة بصيغة الجمع (ذَاقَا) (فَأَكَلا) بل إن النص القرآني يذكر آدم-كمسئول عما حدث- عليه الصلاة والسلام (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى). وهكذاأخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.
لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشفأنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهماكل واحد منهما جسده العاري. ولم تكن لآدم تجارب سابقة في العصيان، فلم يعرف كيفيتوب، فألهمه الله سبحانه وتعالى عبارات التوبة (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَاأَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَالْخَاسِرِينَ) (23) (الأعرف) وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.
هبوط آدم وحواءإلى الأرض: وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفراربهما وتابا إليه. فأدركته رحمة ربه التي تدرك الإنسان عندما يثوب إليها ويلوذ بها... وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها،ويخرجان منها يوم البعث.
يتصور بعض الناس أن خطيئة آدمبعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذاالتصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّيجَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. وقدورد في صحيحي بخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليهوسلم- قال: (حاج موسى آدم عليهما السلام، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك منالجنة وأشقيتهم. قال آدم: يا موسى، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه،أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدَّره علي قبل أن يخلقني؟).قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فحجَّ آدمُ موسى). لم يكن هبوط آدم إلىالأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالىيعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أما تجربة السكن فيالجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما منبعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة اللهوعداء الشيطان.
هابيل وقابيل: لا يذكر لنا المولى عزّ وجلّ فيكتابه الكريم الكثير عن حياة آدم عليه السلام في الأرض. لكن القرآن الكريم يرويقصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل. حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض.
كانت حواء تلد في البطن الواحد ابناوبنتا. وفي البطن التالي ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني..فأراد هابيل أن يتزوج أخت قابيل، إلا أن قابيل آراد أخته لنفسه لأنها كانت أجمل منأخت هابيل. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا. كان هابيلصاحب غنم فقرب واحدة سمينة، بينما كان قابيل صاحب زرع فقدم حزمة من رديء زرعه.فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل. فغضب قابيل وهدد أخاه بأن يقتله. فأجابهابيل بأن الله يتقبل من المتقين. وبكل حلم قال هابيل: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّيَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّيأَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِيوَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ(29)) (المائدة)
انتهى الحوار بينهما وانصرف الشريروترك الطيب مؤقتا. بعد أيام.. كان الأخ الطيب نائما فقام إليه أخوه قابيل فقتلهبصخرة رماها على رأسه. وقيل بأن هابيل أبطأ في الرعي ذات ليلة، فذهب إليه قابيلوضربه بحديدة كانت معه. وقيل أنه خنقه خنقا شديدا وعضه كما تفعل السباع. قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: ";لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفلمن دمها لأنه كان أول من سن القتل". جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض.كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرفبعد. وحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها.. ثم رأى القاتل غرابا حيا بجانب جثة غرابميت. وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفرالأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب.. بعدها طار في الجو وهويصرخ. فحزن قابيل أنه عجز حتى عن معرفه ما يفعل بجثمان أخيه، فكان هذا الغراب أفضلمنه.
موت آدم عليهالسلام: وكبر آدم. ومرت سنوات وسنوات.. وعنفراش موته، يروي أبي بن كعب، فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إنيأشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانهوحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وماتطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة،فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم،فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل. فقبضوهوغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه فيقبره، ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.
وفي موته يروي الترمذي: حدثنا عبد بنحميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبيهريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما خلق الله آدم مسح ظهره،فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسانمنهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأىرجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم منذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره؟ قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمريأربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعونسنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته،وخطىء آدم فخطئت ذريته".
--------------------------------------------------------------------------------