و قوم لوط ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم, وهي إتيان الذكران من العالمين, وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.
فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له, ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات, والفواحش المنكرات, والأفاعيل المستقبحات, فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم, واستمروا على فجورهم وكفرانهم, فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم, وجعلهم مثله في العالمين, وعبرة يتعظ بها الألباء العالمين من.
ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين, فقال تعالى في سورة الأعراف : {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين, إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون, وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون, فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين, وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.
و سنورد الآن ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم مجموعا من الآيات والآثار وبالله المستعان.
وذلك أن لوطا عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له, ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش, لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به, حتى ولا رجل واحد منهم, ولم يتركوا ما عنه نهوا, بل استمروا على حالهم, ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم, وهموا بإخراج رسولهم من ظهرانيهم بين.
{} واستضعفوه وسخروا منه وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا:
{أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}
فجعلوا غاية المدح ذما يقتضي الإخراج, وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.
فطهره الله وأهله إلا امرأته, وأخرجهم منها أحسن إخراج, وتركهم في محلتهم خالدين, لكن بعد ما صيرها عليهم بحرة منتنة, ذات أمواج, لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج, وحر يتوهج, وماؤها ملح أجاج.
وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى, التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا. ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها. وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق, ويخونون الرفيق, ويأتون في ناديهم, وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم, المنكر من الأقوال والأفعال, على اختلاف أصنافه, حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم, ولا يستحيون من مجالسهم, وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل, ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ, ولا نصيحة من عاقل, وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا, ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر, ولا ندموا على ما سلف من الماضي, ولا راموا في المستقبل تحويلا, فأخذهم الله أخذا وبيلا.
وقالوا له فيما قالوا:
{ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين}
فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم.
فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم, فسأل من رب العالمين وإله المرسلين, أن ينصره على المفسدين القوم.
فغار الله لغيرته, وغضب لغضبته, واستجاب لدعوته, وأجابه إلى طلبته, وبعث رسله الكرام, وملائكته العظام, فمروا على الخليل إبراهيم, وبشروه بالغلام العليم, وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم
{قال فما خطبكم أيها المرسلون, قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين, لنرسل عليهم حجارة من طين, مسومة عند ربك للمسرفين}
وقال: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين, قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين}
وقال الله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط}.
وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا. لهذا قال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب, يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود}.
أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم إنه قد جاء أمر ربك أي قد أمر به من لا يرد أمره ولا يرد بأسه ولا معقب لحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.
وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول " أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن
قالوا لا
قال فمائتا مؤمن
قالوا لا
قال فأربعون مؤمنا
قالوا: لا
قال فأربعة عشر مؤمنا
قالوا لا
قال ابن إسحاق: إلى أن قال: "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد
قالوا لا "
قال: {إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها} الآية.
قال الله تعالى : {ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}.
قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم, وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل, أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم, في صور شبان حسان اختبارا من الله تعالى لقوم لوط, وإقامة للحجة عليهم, فتضيفوا لوطا عليه السلام وذلك عند غروب الشمس, فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره, وحسبهم بشرا من الناس
{وسيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق, شديد بلاؤه, وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم, كما كان يصنع بهم في غيرهم, وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدا, ولكن رأى من لا يمكن عنه المحيد.
وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له, يعمل فيها فتضيفوا, فاستحيا منهم, وانطلق أمامهم, وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية, وينزلون في غيرها
فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء, ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم, حتى كرره أربع مرات. قال: وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.
وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط, فأتوها نصف النهار, فلما بلغوا سدوم, لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها, وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا", والصغرى "زغرتا",
فقالوا لها : يا جارية هل من منزل?
فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم, فرقت عليهم من قومها,
فأتت أباها فقالت: يا أبتاه, أرادك فتيان على باب المدينة, ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم, لا يأخذهم قومك, فيفضحوهم.
وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال.
فجاء بهم, فلم يعلم أحد إلا أهل البيت
فخرجت امرأته فأخبرت قومها, فقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه.
وقوله : {ومن قبل كانوا يعملون السيئات} .
أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة,
{قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم}
يرشدهم إلى غشيان نسائهم, وهن بناته شرعا لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد, كما ورد في الحديث
وكما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}
وفي قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم. وهذا كقوله: {أتأتون الذكران من العالمين, وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.
وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وهو الصواب.
وقوله: {فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد}
نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة, وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة, ولا فيه خير, بل الجميع سفهاء, فجرة أقوياء, كفرة أغبياء .
وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.
فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد:
{قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد}
يقولون: عليهم لعائن الله, لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا, وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير النساء".
واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم, ولم يخافوا سطوة العظيم, ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام
{قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}
ود أن لو كان له بهم قوة, أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم, ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب, على هذا الخطاب
عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله عليه صلى الله salam قال "رحمة الله على لوط, إن كان يأوي إلى ركن شديد, يعني الله عز وجل, فما بعث الله بعده نبي إلا في ثروة من قومه".
ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول, ويدافعهم, والباب مغلق, وهم يرومون فتحه وولوجه, وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب, وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح, فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} لأحللت بكم النكال.
قالت الملائكة {يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك}
وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه, فطمست أعينهم, حتى قيل: إنها غارت بالكلية, ولم يبق لها محل ولا عين, ولا أثر, فرجعوا يتحسسون مع الحيطان, ويتوعدون رسول الرحمن, ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.
قال الله تعالى {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر, ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.
فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل, ولا يلتفت منكم أحد, يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه, وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم.
وقوله: {} إلا امرأتك على قراءة النصب, يحتمل أن يكون مستثنى من قوله {} فأسر بأهلك, كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تسر بها. ويحتمل أن يكون من قوله: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك},
أي: فإنها ستلتفت فيصيبها أصابهم ما. ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع, ولكن الأول أظهر في المعنى أعلم والله.
قال السهيلي واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".
وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب:
{إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}.
هلاك قوم لوط عليه السلام
فلما خرج لوط عليه السلام بأهله, وهم ابنتاه, لم يتبعه منهم رجل واحد, ويقال: إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.
فلما خلصوا من بلادهم, وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد. ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.
قال الله تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود, مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.
قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن, وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم, فقالوا: إنهم كانوا أربع مائة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات, وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات, فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء, حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم, ثم قلبها عليهم, فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها.
{وأمطرنا عليها حجارة من سجيل}
والسجيل فارسي معرب, وهو الشديد الصلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء
(مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه, الذي يهبط عليه فيدمغه, كما قال: {مسومة عند ربك للمسرفين}
وكما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}.
وقال تعالى : {والمؤتفكة أهوى, فغشاها ما غشى} يعني: قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها, وغشاها بمطر من حجارة من سجيل, متتابعة مسومة مرقومة, على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين, منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين, والنازحين والشاذين منها.
ويقال: إن امرأة لوط مكثت قومها مع.
ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها, ولكنها لما سمعت الصيحة, وسقوط البلدة) التفتت إلى قومها, وخالف أمر ربها قديما وحديثا, وقالت: وا قوماه فسقط عليها حجر, فدمغها وألحقها بقومها, إذ كانت على دينهم, وكانت عينا لهم, على من يكون عند لوط من الضيفان.
كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}
أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة, حاشا وكلا. فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته, كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا.
وقوله هنا: {وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا, ونص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.
واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو, عن عكرمة, عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها, لرداءتها ودناءتها, فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه. ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات, وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات,
كما قال تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين, وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.
وقال الله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مشرقين, فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل, إن في ذلك لآيات للمتوسمين, وإنها لبسبيل مقيم, إن في ذلك لآية للمؤمنين} أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم, كيف غير الله تلك البلاد وأهلها, وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة, هالكة غامرة.
كما روى الترمذي وغيره مرفوعا "." اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله قرأ ثم: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.
وقوله {} وإنها لبسبيل مقيم أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن,
كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين, وبالليل أفلا تعقلون}
وقال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}
وقال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين, فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين, وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.
أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب, وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى, فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم, وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه, كما قال بعضهم:
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد
فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز وجل, ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال, والجواري من السراري ذوات الجمال. وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.